فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئَذٍ زُرْقًا}.
فيه ستة أقاويل:
أحدها: عُميًا، قاله الفراء.
الثاني: عطاشًا قد أزرقت عيونهم من شدة العطش، قاله الأزهري.
الثالث: تشويه خَلْقِهم بزرقة عيونهم وسواد وجوههم.
الرابع: أنه الطمع الكاذب إذ تعقبته الخيبة، وهو نوع من العذاب.
الخامس: أن المراد بالزرقة شخوص البصر من شدة الخوف، قال الشاعر:
لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر ** كما كل ضبي مِن اللؤم أزرق

قوله عز وجل: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ} أي يتسارُّون بينهم، من قوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] أي لا تُسرّ بها.
{إن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا} العشر على طريق التقليل دون التحديد وفيه وجهان:
أحدهما: إن لبثتم في الدنيا إلا عشرًا، لما شاهدوا من سرعة القيامة، قاله الحسن.
الثاني: إن لبثتم في قبوركم إلاّ عشرًا لما ساواه من سرعة الجزاء.
قوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: نحن أعلم بما يقولونه مما يتخافتون به بينهم.
الثاني: نحن أعلم بما يجري بينهم من القول في مدد ما لبثوا.
{إذ يقول أمثلهم طريقةً} فيه وجهان:
أحدهما: أوفرهم عقلًا.
الثاني: أكبرهم سدادًا.
{إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمًا} لأنه كان عنده أقصر زمانًا وأقل لبثًا، ثم فيه وجهان:
أحدهما: لبثهم في الدنيا.
الثاني: لبثهم في القبور. اهـ.

.قال ابن عطية:

{يَوْمَ يُنفَخُ في الصور}.
و{يوم} ظرف، و{يوم} الثاني بدل منه وقرأ الجمهور: {يُنفخ} بضم الياء وبناء الفعل للمفعول، وقرأت فرقة {يَنفخ} بفتح الياء وبناء الفعل للفاعل، أي ينفخ الملك. وقرأ أبو عمرو وحده {ننفخ} بالنون أي بأمرنا وهذه القراءة تناسب قوله: {ونحشر}. وقرأ الجمهور: {في الصور} بسكون الواو، ومذهب الجمهور أنه القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل وبهذا جاءت الأحاديث، وقالت فرقة {الصوَر} جمع صورة كثمرة وثمر. وقرأ ابن عياض {ينفخ في الصوَر} بفتح الواو وهذه صريحة في بعث الأجساد من القبور، وقرأت فرقة هي الجمهور، {ونحشر} بالنون، وقرأت فرقة {ويحشر} بالياء، وقرأت فرقة {ويُحشر} بضم الياء {المجرمون} على المفعول الذي لم يسم فاعله، وهي قراءة مخالفة لخط المصحف وقوله: {زرقًا} اختلف الناس في معناه، فقالت فرقة يحشرهم أول قيامهم سود الألوان زرق العيون تشويه ما ثم يعمون بعد ذلك وهي مواطن، وقالت فرقة إنهم يحشرون عطاشًا والعطش الشديد يرد سواد العين إلى البياض فكأنهم بيض سواد عيونهم من شدة العطش، وقالت فرقة أراد زرق الألوان وهي غاية في التشويه لأنهم يجيئون كلون الرماد، ومهيع كلام العرب أن يسمى هذا اللون أزرق ومنه زرقة الماء قال الشاعر: زهير بن أبي سلمى الطويل:
فلما وردن الماء زرقًا جمامه ** وضعن عصي الحاضر المتخيم

ومنه قولهم سنان أزرق لأنه نحو ذلك اللون.
{يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103)} أي يتخافت المجرمون {بينهم} أي يتسارون، المعنى أنهم لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم قد عزب عنهم قدر المدة التي لبثوها، واختلف الناس فيماذا، فقالت فرقة في دار الدنيا ومدة العمر، وقالت فرقة في الأرض مدة البرزخ، وقالت فرقة ما بين النفختين في الصور، و{أمثلهم طريقة} معناه أثبتهم يقينًا وأعلمهم بالحقيقة بالإضافة إليهم فهم في هذه المقالة يظنون أن هذا قدر لبثهم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {يوم ينفخ في الصور}.
قرأ أبو عمرو: {ننفخ} بالنون.
وقرأ الباقون من السبعة: {ينفخ} بالياء على ما لم يسم فاعله.
وقرأ أبو عمران الجوني: {يوم ينفخ} بياء مفتوحة ورفع الفاء، وقد سبق بيانه.
{ونحشر المجرمين} وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو الجوزاء، وطلحة بن مصرِّف: {ويحشر} بياء مفتوحة ورفع الشين.
وقرأ ابن مسعود، والحسن، وأبو عمران: {ويحشر} بياء مرفوعة وفتح الشين {المجرمون} بالواو.
قال المفسرون: والمراد بالمجرمين: المشركون.
{يومئذ زُرْقًا} وفيه قولان:
أحدهما: عُميًا، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
وقال ابن قتيبة: بيض العيون من العمى، قد ذهب السواد، والناظر.
والثاني: زُرق العيون من شدة العطش، قاله الزهري.
والمراد: أنه يشوِّه خَلْقَهم بسواد الوجوه، وزرق العيون.
قوله تعالى: {يتخافتون بينهم} أي: يسارّ بعضهم بعضًا {إِن لبثتم} أي: ما لبثتم إِلا عشر ليال.
وهذا على طريق التقليل، لا على وجه التحديد.
وفي مرادهم بمكان هذا اللبث قولان:
أحدهما: القبور.
ثم فيه قولان:
أحدهما: أنهم عَنَوا طول ما لبثوا فيها، روى أبو صالح عن ابن عباس: إِن لبثتم بعد الموت إِلا عشرًا.
والثاني: ما بين النفختين، وهو أربعون سنة، فإنه يخفف عنهم العذاب حينئذ، فيستقلُّون مدة لبثهم لهول ما يعاينون، حكاه علي ابن أحمد النيسابوري.
والقول الثاني: أنهم عَنَوا لبثهم في الدنيا، قاله الحسن، وقتادة.
قوله تعالى: {إِذ يقول أمثلهم طريقة} أي: أعقلهم، وأعدلهم قولًا {إِن لبثتم إِلا يومًا} فنسي القوم مقدار لبثهم لهول ما عاينوا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور}.
قراءة العامة {يُنْفَخُ} بضم الياء على الفعل المجهول.
وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق بنون مسمى الفاعل.
واستدل أبو عمرو بقوله تعالى: {وَنَحْشُرُ} بنون.
وعن ابن هُرْمُز {يَنْفُخُ} بفتح الياء أي ينفخ إسرافيل.
أبو عياض: {فِي الصُّوَرِ}.
الباقون: {في الصُّورِ} وقد تقدم هذا في الأنعام مستوفى وفي كتاب التذكرة.
وقرأ طلحة بن مُصرِّف {ويُحْشَرُ} بضم الياء {الْمُجْرِمُونَ} رفعًا بخلاف المصحف.
والباقون {وَنَحْشُرُ المجرمين} أي المشركين.
{زُرْقًا} حال من المجرمين، والزَّرَق خلاف الكَحَل.
والعرب تتشاءم بزَرَق العيون وتذمّه؛ أي تشوه خلقتهم بزرقة عيونهم وسواد وجوههم.
وقال الكلبي والفراء: {زرقًا} أي عميًا.
وقال الأزهري: عطاشًا قد ازرقت أعينهم من شدة العطش؛ وقاله الزجاج؛ قال: لأن سواد العين يتغير ويزرقّ من العطش.
وقيل: إنه الطمع الكاذب إذا تعقبته الخيبة؛ يقال: ابيضت عيني لطول انتظاري لكذا.
وقول خامس: إن المراد بالزرقة شخوص البصر من شدة الخوف؛ قال الشاعر:
لقد زَرِقت عيناك يا ابنَ مُكَعْبَرٍ ** كما كُلُّ ضَبِّيٍّ من اللؤم أَزْرَقُ

يقال: رجل أزرق العين، والمرأة زرقاء بينة الزَّرَق. والاسم الزُّرقة. وقد زَرِقت عينه بالكسر وازرقت عينه ازرقاقًا، وازراقت عينه ازريقاقًا.
وقال سعيد بن جبير: قيل لابن عباس في قوله: {وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقًا} وقال في موضع آخر: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء: 97] فقال: إن ليوم القيامة حالات؛ فحالة يكونون فيها زرقا، وحالة عميا.
{يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ} أصل الخفت في اللغة السكون، ثم قيل لمن خفض صوته خَفَته.
والمعنى يتسارون؛ قاله مجاهد؛ أي يقول بعضهم لبعض في الموقف سرًا {إِن لَّبِثْتُمْ} أي ما لبثتم يعني في الدنيا، وقيل: في القبور {إِلاَّ عَشْرًا} يريد عشر ليال.
وقيل: أراد ما بين النفختين وهو أربعون سنة؛ يرفع العذاب في تلك المدة عن الكفار في قول ابن عباس فيستقصرون تلك المدة.
أو مدة مقامهم في الدنيا لشدة ما يرون من أهوال يوم القيامة؛ ويخيل إلى أمثلهم أي أعدلهم قولًا وأعقلهم وأعلمهم عند نفسه أنهم ما لبثوا إلا يومًا واحدًا يعني لبثهم في الدنيا؛ عن قتادة؛ فالتقدير: إلا مثل يوم.
وقيل: إنهم من شدة هول المطلع نسوا ما كانوا فيه من نعيم الدنيا حتى رأوه كيوم.
وقيل: أراد بيوم لبثهم ما بين النفختين، أو لبثهم في القبور على ما تقدم.
{وعشرًا} و{يومًا} منصوبان ب {لبثتم}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يَوْمَ يُنفَخُ في الصور}.
ويوم ننفخ بدل من يوم القيامة.
وقرأ الجمهور: {يُنفخ} مبنيًا للمفعول {ونحشر} بالنن مبنيًا للفاعل بنون العظمة.
وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وحميد: ننفخ بنون العظمة لنحشر أسند النفخ إلى الآمرية، والنافخ هو إسرافيل ولكرامته أسند ما يتولاه إلى ذاته المقدسة و{الصور} تقدم الكلام فيه في الأنعام.
وقرئ يَنْفُخُ ويَحْشُرُ بالياء فيهما مبنيًا للفاعل.
وقرأ الحسن وابن عياض في جماعة {في الصور} على وزن درر والحسن: يُحْشَرُ، بالياء مبنيًا للمفعول، ويَحْشُرُ مبنيًا للفاعل، وبالياء أي ويحشر الله.
والظاهر أن المراد بالزرق زرقة العيون، والزرقة أبغض ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون، ولذلك قالوا في صفة العدو: أسود الكبد، أصهب السبال، أزرق العين.
وقال الشاعر:
وما كنت أخشى أن تكون وفاته ** بكفي سبنتي أزرق العين مطرق

وقد ذكر في آية أخرى أنهم يحشرون سود الوجوه، فالمعنى تشويه الصورة من سواد الوجه وزرقة العين وأيضًا فالعرب تتشاءم بالزرقة.
قال الشاعر:
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر ** ألا كل عليسى من اللؤم أزرق

وقيل: المعنى عميًا لأن العين إذا ذهب نورها ازرقَّ ناظرها، وبهذا التأويل يقع الجمع بين قوله: {زرقًا} في هذه الآية و{عميًا} في الآية الأخرى.
وقيل: زرق ألوان أبدانهم، وذلك غاية في التشويه إذ يجيؤن كلون الرماد وفي كلام العرب يسمى هذا اللون أزرق، ولا تزرق الجلود إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها.
وقيل: {زرقًا} عطاشًا والعطش الشديد يرد سواد العين إلى البياض، ومنه قولهم سنان أزرق وقوله:
فلما وردن الماء زرقًا جمامه

أي ابيض، وذكرت الآيتان لابن عباس فقال: ليوم القيامة حالات فحالة يكونون فيها زرقًا وحالة يكونون عميًا.
{يتخافتون} يتسارّون لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم قد عزب عنهم قدر المدة التي لبثوا فيها {إن لبثتم} أي في دار الدنيا أو في البرزح أو بين النفختين في الصور ثلاثة أقوال، ووصف ما لبثوا فيه بالقصر لأنها لما يعاينون من الشدائد كانت لهم في الدنيا أيام سرور، وأيام السرور قصار أو لذهابها عنهم وتقضيها، والذاهب وإن طالت مدته قصير بالانتهاء، أو لاستطالتهم الآخرة وأنها أبد سرمد يستقصر إليها عمر الدنيا، ويقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة و{إذ} معمولة لأعلم.
و{أمثلهم} أعدلهم.
و{طريقة} منصوبة على التمييز.
{إلاّ يومًا} إشارة لقصر مدة لبثهم.
و{إلا عشرًا} يحتمل عشر ليال أو عشرة أيام، لأن المذكر إذا حذف وأبقي عدده قد لا يأتي بالتاء.
حكى الكسائي عن أبي الجراح: صمنا من الشهر خمسًا، ومنه ما جاء في الحديث ثم أتبعه بست من شوال، يريد ستة أيام وحسن الحذف هنا كون ذلك فاصلة رأس آية ذكر أولًا منتهى أقل العدد وهو العشر، وذكر أعدلهم طريقة أقل العدد، وهو اليوم الواحد ودل ظاهر قوله: {إلاّ يومًا} على أن المراد بقولهم {عشرًا} عشرة أيام. اهـ.